أخبار الاتحاد
29/08/2023
3:07 am
بيت الشعر بالشارقة يستضيف القطراوي ورفعت والحويجة
ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، وبحضور لافتٍ من الشعراء والنقاد والمثقفين ومحبي الشعر اكتظت بهم قاعة المنتدى

29/08/2023
3:05 am
دار الشعر بتطوان تحتفي بالقصيدة المغربية في مناطق جديدة
حضور المئات من المصطافين والمترددين على شاطئ السعيدية من مغاربة العالم، وعلى الحدود المغربية – الجزائرية، أقامت دار الشعر بتطوان فعاليات الدورة الخامسة من ملتقى "بحور الشعر"

29/08/2023
3:04 am
آلاء بطاينة تستعرض تجربتها ومنجزها الإبداعي في الترجمة
استضافت "دارة المثقفين ومغناة إربد" نهاية الأسبوع الماضي الأديبة والمترجمة آلاء بطاينة خلال ندوة للحديث عن أعمالها المترجمة من العربية إلى الإنجليزية
مساحة إعلانية
المنجز الرقمي العربي .. مراجعة وتقويم (1-2)
المنجز الرقمي العربي .. مراجعة وتقويم (1-2)
المنجز الرقمي العربي .. مراجعة وتقويم (1-2)

المنجز الرقمي العربي .. مراجعة وتقويم

 دراسة مميزة جدا تتناول تاريخ وانجازات الأدب الرقمي العربي بشقيه الابداعي والنقدي بطريقة علمية موضوعية محايدة تحسب للكاتب

بقلم: د. وصـفي ياسـين

• توطـئة

 

هل ما زال الوقت مبكرا لمراجعة المنجز الرقمي العربي تقييما وتقويما؟ أم أنه آن الأوان لتأمّل هذا المنجز وتوصيف حالته الراهنة إبداعا ونقدا؟ هل من حق المتلقي العربي أن يتساءل عن حقيقة منجزه الرقمي مقارنا بينه وبين منجزه الورقي، مواصلا تشبثه بإرثه الورقي أو تحسسه من الرقمي، ممارسا قلقه على مستقبل وآفاق المنجزين معا؟ مَن روّاد المنجز الرقمي عربيا؟ وما أهم إسهاماتهم؟ ومَن أكثرهم إبداعا وملاحقة ومراجعة وتطورا؟ وما دور الإكاديمية النقدية مع هذ المنجز؟ وما مدى تأثيرها؟ وهل هناك أدعياء على هذا المنجز يجب الانتباه إليهم؟

كل هذه الأسئلة وغيرها، كانت حافزا قويا لهذه الدراسة للتوقف أمام ثلاثة محاور: الأول؛ التعرّف على ماهية المنجز الرقمي. الثاني؛ مراجعة هذا المنجز وتقويمه، تحديدا وتثمينا لقيمته، توجيها وتعديلا لمسيرته، مع اقتراح بعض الآليات التي قد تسهم، ولو بشكل يسير، في التطوير. الثالث؛ تقديم ببليوجرافيا مبدئية بالأعمال المهتمة بالمنجز الرقمي.

هذه الدراسة تدرك جيدا الخطورة والصعاب التي ستجابهها، ليس في التعامل مع المنجز الرقمي فحسب، ولكن في ردود أفعال المتحمسين له حد التهور، لذلك فهذه الورقة غير معنية، بتاتا، بالهجوم على أحد أو التقليل من مجهود أحد، بقدر عنايتها بالمراجعة والتقويم. وليس من ضمن أهدافها أن تقول ما يحب أن يسمعه بعض الرقميين المتحمسين، لكنها ستقول ما يجب أن يعلموه جيدا؛ لمراجعة هذا المنجز وتقويم مساره نحو جادة الطريق.

أولا: ماهية المنجز الرقمي

عربيا، ليس في مصطلح الرقمية جدة ولا غرابة ولا لبس، لأنه مصطلح شائع الاستخدام، ومتعدد الدلالات، في أمور كثيرة منها: علوم المكتبات وأنواعها، الفنون الجميلة وأشكالها، المناهج التربوية وطرائقها، الرياضة وفنونها، علوم الحاسب الآلي وتقنياتها، الإعلام والصحافة ووسائلهما، العمارة وتصميماتها. لكن الجدة والغرابة واللبس وقعت بعد تزاوج المصطلح بالأدب والإبداع، لذا تعددت الدراسات حول الأدب الرقمي وتنوّعت مقاصدها بين الاتفاق والاختلاف، التراجع والتبنّي، ولا يجد الناقد مفرًّا من الانغماس في التنظير والأيديولوجيا؛ لأن الدراسات لا تزال تتحسس طريقها، ما بين تأصيل للمصطلحات وتحليل للنصوص بأدوات قديمة أو تجريب أخرى مقترحة.

لكن، رغم كثرة الدراسات فإنه ليس هناك حتى الآن بوادر تعفينا أو مبرارت تدفع بنا إلى القفز على بدايات هذا الأدب؛ نظرا لأن هذا النوع لم يصل من رسوخ المصطلحات وتراكم النصوص الثرية، وكثرة الأشياع، حدًا يصرفنا نحو أمر آخر؛ لذلك لا مفر من الكتابة من أول السطر، والوقوف في عجالة على ماهية الأدب الرقمي في محاولة صادقة لوضع مفاهيم غير ملتبسة/ غامضة عن الأدب الرقمي بغية الخروج من هذه المرحلة، البدايات تحديدا، وفض الاشتباك القائم بينها، وهي: النص الورقي، النص الإلكتروني، النص المترابط، النص التفاعلي، النص الرقمي، النقد الرقمي.

النص الورقي: هو النص الذي بدأ منذ ظهور التدوين مرورا باكتشاف الطباعة حتى ظهور الرقمية، وسيلته اللغة والورق والكتاب المطبوع، خطي متتابع، لا يتغير سوى بطبعة جديدة، قد يحتوي على صور أو رسومات أو توضيحات، يفنى، يستهلك مكانا ويتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، يُورّث.

النص الإلكتروني: هو أقل درجات الرقمية، إن لم يكن أولها، حاليا هو أكثر النصوص تداولا بعد النص الورقي، وسيلته الشاشة، ما هو إلا نص ورقي تم رفعه بهيئته الورقية على شبكة الإنترنت بأي أشكال القراءة، غير تفاعلي ولا ترابطي أو تشعبي، خطي متتابع، يفنى، لا يستهلك مكانا ولا يتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، لا يُورّث.

النص المترابط: أول المصطلحات الرقمية ظهورا. ارتبك، وتوزّع بين مسميات الفائق والممنهل والمتشعب والتشعبي والمتفرع والمترابط والسيبرنصي. والنص المترابط في أبسط تعريفاته، هو نص وسيلته الشاشة، مطعّم فنيا بنصوص أخرى لغوية وغير لغوية عبر روابط أو أيقونات تقوم بوظائف كنائية مختلفة، انطلاقا من مبدأ توسيع مفهوم النص وتناسل النصوص وإذابة الخطوط الفاصلة بينها مع الحفاظ على خصوصياتها النوعية. تتوافق كلمة (متشعب) مع كلمة (مترابط)؛ فلا فرق بينهما.

النص التفاعلي: هو أعلى درجات الرقمية، ونص الوسائط المتعددة، وسيلته الشاشة، ترابطي، تفاعلي يسمح بالإضافة والحذف والتغيير، تصعب طباعته كاملا، أفقي، يفنى أو يتعطّل، لا يستهلك مكانا ولا يتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، لا يُورّث.

النص الرقمي: هو مصطلح عام يُطلق مجازا على كل أشكال الإبداع الرقمي سواء كان الإلكتروني أو الترابطي/ التشعبي أو التفاعلي.

النقد الرقمي: هو القدرة على شرح المصطلحات الرقمية وتبسيط التقنيات المستخدمة وتفسير طرائق توظيفها بما يساعد على تقريب العمل الأدبي وإثرائه.

ثانيا: مراجعة الإبداع الرقمي

هل الإبداع الرقمي القائم على تضمين الروابط ولغة الحاسوب يندرج تحت الإبداع الذي يمكن أن نتذوقه وتسمو به أرواحنا؟ أم أنه يصلح مع أجناس أخرى كالمدونات والمقالات والتقارير والأخبار بعيدا عن الشعر والقصة والرواية؟ وهل احتياج المبدع الرقمي إلى التدريب الفني والتمرّس في مجالات البرمجة والإخراج السينمائي وكتابة السيناريو والمسرح وفن المحاكاة يحفظ حقه في الموهبة الإبداعية؟ أم يعود بنا إلى قضية القدماء حول الطبع والصنعة؟! هل بالضرورة أن يكون الروائي الرقمي كاتبا مبدعا؟ أم يكفيه أن يكون مبرمجا محترفا، أو يمتلك تدريبا متخصصا في الإخراج السينمائي؟ هل الإبداع الرقمي كفيل بطرح رؤيته بين يدي المتلقي كما فعل الإبداع الورقي؟ أم أنه يحتاج إلى أبيه الشرعي كي يبسّطه ويشرح تقنياته للمتلقّي؟

إن تأمّل الببليوجرافيا الملحقة بهذه الدراسة، يجعلنا نجزم بأن الإبداع الرقمي حركته بطيئة، وتكاد تكون متعثرة؛ ولا يوجد في الوطن العربي "إلا بعض الأسماء المعدودة التي تكتب النصوص الرقمية المعقّدة، بمعنى أنها تستعمل آليات الكتابة الرقمية من برامج، ووسائط، وروابط، ما عدا ذلك من الأسماء فهي تستعيض عن القلم بلوحة المفاتيح، وعن القرطاس بشاشة الكمبيوتر."

من هذه الأسماء المعدودة؛ محمد سناجلة الذي كتب خلال خمسة عشر عاما، هي عمر رحلته الإبداعية رقميا حتى الآن، خمسة أعمال إبداعية موزعة بين القصة والرواية، وكتابا واحدا. أيضا منعم الأزرق، وهو من أغزر الشعراء الرقميين إبداعا. بينما لم يزد الآخرون عن تجربة إبداعية واحدة أو اثنتين على الأكثر.

هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل النص الرقمي قادر على إثراء تجربته الفنية، أو على الأقل، تجديد الدماء في عروقها؟ ثلاث مهارات متوقّع توافرها في المبدع الرقمي، هي "أنه في آن واحد: يبدع النص: أي ينقله من مرحلة الكمون إلى التجلّي النصي والعلاماتي. يضع التصوّر الذي سيكون عليه من خلال تصميم أجزائه ومكوناته وتنظيم علاقاته (الرقّام). ينقل النص والتصور من خلال برنامج معيّن يجعله قابلا للرؤية والقراءة على الشاشة (الراقم)... إنه (كاتب وزيادة)، هذه الزيادة هي الجانب التقني."

ما يُؤسف له حقا، أن بعض مبدعينا الرقميين تنقصهم صفة أو اثنتين، إما الأولى لبعض مَن أقدم على التجربة الرقمية، أو الأخيرة بالنسبة لمَن أحجم عنها، أو الأولى والأخيرة في آن.

طالما أن المفترض في المبدعين الرقميين هو إجادة استثمار الحاسب والوسائط المتفاعلة، لماذا لا يعملون على نصوص غيرهم، خاصة التي حققت رواجا؟ لماذا لا يجرّبون تحويلها إلى نصوص رقمية حقيقية يختبرون فيها قدراتهم إلكترونيا وإبداعيا؟ هذا الاقتراح ليس فيه منقصة من إبداع أو موهبة أحد، بل هو إقرار بمشروعية الجمع بين المبدع الروائي والرقمي المحترف.

لماذا لا يلتقي محمد سناجلة، مثلا، باعتباره رائدا في الأدب الرقمي وفي توظيف الوسائط الإلكترونية مع أحمد خالد توفيق، مثلا، باعتباره موهوبا في الكتابة الإبداعية، لما يُعرف عنه من غزارة الإنتاج وجودته وجدته. لماذا لا يلتقيان في عمل واحد، دون أن يكون في ذلك تقليل غير فنّي من عملهما الإبداعي، حتى نضمن الجمع بين موهبة الأدب وحرفية التكنولوجيا؟ الاستفادة ستكون عظيمة ومزدوجة؛ التكنولوجي يستفيد إبداعيا، والمبدع يستفيد تكنولوجيا؛ فينهض الأدب الرقمي من عثرته التجريبية. وهناك أسماء عربية أخرى يمكنها التعاون الصادق فيما بينها من أجل شرف هذا الهدف.

هذه واحدة؛ الأخرى أنه إذا استنكف الرقمي عن طرح إبداع غيره، فلماذا لا يطرح فكرته الإبداعية على الشبكة أولا، ثم يطوّرها مع المتفاعلين حتى ينضج عمله ويكتمل، ولعل تجربة عبدالواحد استيتو الإبداعية أصدق دليل على ذلك.

أدعو لهذا بعد أن لجأ بعض الرقميين إلى طرح باكورة أعمالهم رقميا حتى لا يلتفت المتلقّي بفعل اندهاشه بالجديد إلى مثالب الإبداع وقصور الكتابة، وكانت النتيجة أن منتوج البعض كان ضعيفا، والبعض الآخر لم يعاود التجربة مرة أخرى.

النص الرقمي، في حقيقته، ما هو إلا أحد تجليات النسق الظاهر والمضمر؛ لأن بنية النص الظاهرة على السطح، غيرها التي تتبدّى مغمورة في ثناياه، كذلك بنية النص الرقمي قبل فتح الروابط، غيرها بعد فتح الروابط، وما قراءة النص الرقمي قبل فتح الروابط وبعدها إلا امتداد لمراواغات النسق الظاهر والمضمر، والتعويل على ثقافة المتلقّي التي يجب أن يُضاف إليها الجانب الإلكتروني؛ فكما أن النسق المضمر في حاجة إلى وعي نقدي وتراكم ثقافي، فإن النص الرقمي في حاجة إلى وعي تكنولوجي. هذا في النقد، بينما فى الإبداع، فإن النص الرقمي تفاعل فيه المؤلف والمتلقي، وإن كان تفاعلا، حتى الآن، محدودا ومشروطا أو منقوصا ومراوغا أحيانا؛ "فثمة مراوغة في الحرية الممنوحة للقارئ الرقمي وهو يبحر بين الروابط، فهو يستطيع الإبحار بينها، لكنه لا يستطيع التعديل فيها مع أنه يمتلك حرية إعادة ترتيب النص." لأن بعض المؤلفين يتركون دعوة لتفاعل المتلقي، لكن يظل النص ثابتا بصيغته الأولى، لم تتغير مادته ولا روابطه منذ أن طرحها صاحبها.

يبدو أن كثيرا من الأدباء والنقاد توقّفوا انتظارا لما تسفر عنه التجربة الرقمية عربيا، والمخاض الصعب الذي تمرّ به؛ نظرا لأنه لا يمكن إلزامهم بالكتابة لأنها منطقة خاصة مؤهلاتها ليست متاحة للجميع. صحيح أن البشائر تشير إلى تمرّد إبداعيّ وتجديد نقديّ، لكن كيف ينشط النقد الرقمي وليس لدينا نصوص رقمية كافية؟ ولماذا يرتفع سقف توقّعات المتحمسين عربيا ما دام الجهاز المفاهيمي لنظرية الأدب الرقمي لم تتضح معالمه، ولم تثبت تعريفاته، ولم يتحمس الوعي العام لأهميته، ولم ينخرط المبدعون في أنواعه؟! إن الإبداع الرقمي ما زال حذرا حتى لا يصطدم باشتراطات التلقّي، وإذا سعى إلى الصدام كان ذلك محسوبا عليه بدرجة ما.

إذن، التجربة الإبداعية الرقمية لم تنضج بدرجة جاذبة لكبار المبدعين والنقاد، والأسباب واضحة ومقبولة نسبيا؛ حيث عدم تراكم النصوص الرقمية، والأمية الإلكترونية، وصعوبة التخلص من الالتصاق الحميمي بالإرث الورقي، وعدم وضوح الرؤية النقدية للأدب الرقمي، أو أن الإبداع الرقمي يسبق دائما بخطوة، في الوقت الذي يبحث فيه النقد الرقمي عن أدواته أو يعجز عن الملاحقة بشكل جيد.

• ثالثا: مراجعة النقد الرقمي

هل النقد الرقمي نوع نبحث له عن نظرية تناسبه وأدوات تحليل نقدية تحتويه وتكشف عن أسرار إبداعه؟ أم هو نقد مجدّد وتطوّر طبيعي لآخر ما وصلت إليه النظرية النقدية الحديثة؟ بمعنى آخر؛ هل هو إعادة تدوير لأجهزة نقدية قديمة أشهرها علم النص والنقد الثقافي؟ أم هو استجابة لضرورة عصرية سرعان ما ستنطفئ بعد أن يخبو وهجها ويتبيّن عدم جدواها، طالما أن السؤال المنهجي في النقد باق؛ وهو كيف أبدع الأديب لا ماذا قال الأديب؟

يبدو أن تفقّد واقع النقد الرقمي يشهد بأنه يطوّر نفسه لملاحقة إبداعه، خاصة بعد انخراط بعض النقاد والمؤسسة الإكاديمية في تأصيله وتحليله. وعند إجراء مقارنة أولية بين الإبداع والنقد الرقميين من خلال الببليوجرافيا الملحقة بالدراسة نستنتج أن النقد ينتصر كمًّا، وإن كان الخلل المنهجي والغموض والتعثّر من نصيبهما كيفا.

هذا المبحث بصدد تأمّل الواقع النقدي وتوصيف حالته من خلال عرض جهود بعض أبرز كُتّاب ونقّاد العرب الرقميين عبر محورين: الأول؛ من داخل المؤسسة الإكاديمية، مثل: عبير سلامة، سعيد يقطين، محمد أسليم، مصطفى الضبع، لبيبة خمار، فاطمة البريكي، زهور كرام، سمر الديوب، عمر زرفاوي، محمد مريني. الآخر؛ من خارج المؤسسة الإكاديمية، مثل: محمد سناجلة، أحمد فضل شبلول، السيد نجم، محمد اشويكة، عبدالحميد بسيوني. مع مراعاة أن ترتيب ورودهم في البحث خضع لاعتبارات أهمها؛ الريادة، التأثير، المتابعة، التطوير في الأدب الرقمي.

المحور الأول: من داخل المؤسسة الإكاديمية.

1. الدكتورة عبير سلامة

هي أول إكاديمية عربية أصّلت لترجمة مصطلح Hypertextفي دراستها المبكرة "النص المتشعب ومستقبل الرواية 2003". وفي كتابها "نص لا يخص المرء وحده" 2012 الذي ضم كل دراساتها الرقمية، رأت أن أسباب تأخُّر إنتاج شعرنا تشعبيا تكمن في الحاجة إلى وقت للتمكّن من تقنيات الميديا الحديثة التي تحتاج لعمل تعاوني قد يعوق سيطرتنا الإبداعية، مع الخشية من التورط في تفاعلية حقيقية تؤدي إلى تعطيل العمل.

قرّبت سلامة معنى القصيدة التفاعلية، حيث "لا يُعتبر فعلاً مع النص كلٌ من التعليق عليها/ مراسلة مؤلفها/ كتابة مقال عنها، وسوى ذلك من أفعال تقع خارج النص. الفعل مع النص يفترض عدم اكتماله، لذلك يصبح التعريف كما يلي: قصيدة قيد التشكيل يمكن الاشتباك مع نصها بفعل." 

أما الرواية، فكان لسلامة دور بارز في تأصيل وترجمة مصطلح Hypertextعربيا، حيث قررت أن النص المتشعب هو "النص الذي يُستخدم في الإنترنت لجمع المعلومات النصية المترابطة، كجمع النص الكتابي بالرسوم التوضيحية، الجداول، الخرائط، الصور الفوتوغرافية، الصوت، نصوص كتابية أخرى، وأشكال جرافيكية متحركة. وذلك باستخدام وصلات/ روابط تكون عادة باللون الأزرق، وتقود إلى ما يمكن اعتباره هوامش على متن." وحرصت سلامة على إثبات حقها في ذلك بعد أن تجاوزه البعض فقالت: "اخترتُ ترجمته (سنة 2003) إلى النص المتشعب، اعتمادا على أن معاني التشعب (الانسياب والتفرق واللاخطية والانتشار على مستويات مختلفة) تتضمنها معاني السابقة Hyper(مفرط، فوق القياس، موجود في أكثر من ثلاثة أبعاد، متصل بغير نظام)."

ثم فرّقت بين أنواع الرواية الرقمية بداية من الخطية إلى التفاعلية مرورا بالتشعبية، معرّفة الرواية التفاعلية بأنها "رواية قيد الكتابة أو التشكيل، يشترك في إبداعها أكثر من مؤلف". ثم أشارت إلى لا نهائية هذه المصطلحات وغيرها، فالحدود بين الظواهر المعقدة عموما شاحبة، والرواية الرقمية بأطيافها المتمايزة، على نحو خاص، تبدو مجموعة من الوحدات التي يُعاد توزيعها مرارا بين لاعبين: يمتلكون حساسية ثقافية مختلفة، ولا تعنيهم إجادة اللعبة قدر ممارستها. قدمت سلامة قراءتها لأربعة أعمال مستخلصة أن "الجمع بين السرد والتفاعلية في وقت واحد غير ممكن، لأن المرء لا يستطيع التأثير في أحداث وقعت بالفعل."

ختاما، يمكن القول إن هذا الكتاب في حقيقته تجميع لأبحاث أعدتها سلامة خصيصا للمؤتمرات، ما يجعله جديرا بالاهتمام، حريّا بالاعتماد عليه في الأدب الرقمي، رغم كثرة هوامش الكتاب وطول بعضها بدرجة زاحمت المتن أحيانا.

2. الدكتور سعيد يقطين

هو أبرز الإكاديميين العرب تنظيرا للرقمية، وتبشيرا بها، وتحمّسا لها، وذلك من خلال كتابيه الرائدين: الأول؛ "من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الأدب التفاعلي" 2005. والآخر؛ "النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية" 2008 الذي يشخّص فيه أسباب الأزمة الرقمية، وهي "أننا نعيش في عصر بتصورات عصر سابق، ما يؤدي إلى عدم الاندماج بسرعة، وعدم الانخراط بصفة إيجابية. كما أن ممارسة الكتابة الرقمية لا يمكنها أن تتحقق إلا بتجديد الكتابة العربية من المقال الصحفي إلى الأطروحة الإكاديمية مرورا بكل أنواع الخطاب، مع ضرورة التمرّس بالمعلوميات تمرّسا حقيقيا، لا أداتيا فقط."

يؤصل يقطين لترجمة كلمة (Hypertext) التي تعددت بين؛ (الفائق، المتفرّع، المفرّع، المتشعّب) حيث يرى أنها تفيد مدلولا واحدا، مقترحا كلمة (المترابط) لدلالتها على "وثيقة رقيمة تتشكّل من عُقد من المعلومات قابلة لأن يتصل بعضها بواسطة روابط."

وعندما توقف يقطين بالتحليل لرواية "مجنون الماء" لإدريس بلمليح، اعترف بشجاعة أن عمله مبتسر وغير مكتمل، لأن هدفه لم يكن التحليل بالدرجة الأولى، بل تجديد التحليل السردي والأدبي عموما عن طريق "إقامة الجسور مع ما تحقق، واستشراف الممكن."

وفي إطار دعوته لدخول مرحلة الكتابة الرقمية يطالب بتجديد الكتابة العربية، وخلق بداية جديدة، "وأول تجديد يجب أن يطال طريقة ممارسة الكتابة وفق قواعد محددة ومضبوطة لتؤهّلنا إلى الانتقال إلى هذه الكتابة الجديدة". لذلك يقف مفرقا بين الكتابة المرقّمة والرقمية، النص الإلكتروني والرقمي، مؤرّخا للأدب الرقمي، وأنواعه، معددا مواصفات الكاتب الرقمي.

وفي مطالبته بإعادة الاعتبار لمهارات اللغة العربية، صعوبة شديدة؛ لأن الواقع العربي ليس مؤسفا فحسب بل محبطا؛ حيث تفشّي الأخطاء بأنواعها، وتهميش دور اللغة العربية، وتسطيح محتواها العام وعدم الاعتناء به. كل هذا وأكثر مما طال اللغة العربية، يوحي بأن محاولة إعادة الاعتبار لمهاراتها صعبة ومستبعدة، الأمر الذي سيؤخر دخولنا المرحلة الرقمية، ولا أقول استحالة؛ لأننا نأخذ وقتا طويلا في الاستجابة المتوقّعة للجديد خاصة في مجاليّ الإبداع والنقد.

3. الدكتور محمد أسليم

أكثر المثيرين للنقاش الجاد حول الرقمية ومصطلحاتها وكتّابها وأشهر أعمالها وقضاياها. ناقش عدة أمور منها؛ آثار ظهور الرقمية على المؤسسة الأدبية ككل؛ حيث "مراجعة مفاهيم المؤلف والنص والقراءة والكتابة، والملكية الفكرية، ما يؤشّر على دخول الأدب مرحلة جديدة، وحده المستقبل سيحدد ملامحها النهائية... والسبب في ذلك أن الحاسوب يؤدي وظائف خمس، هي: الكتابة والقراءة والتخزين والبث والاستقبال."

وفي ظل الثورة الرقمية باعتبارها المحطة الثالثة للبشرية في ثوراتها بعد اكتشاف الآلة البخارية واكتشاف النفط واختراع الكهرباء، "يعيش الأدب اليوم حصارا رُباعيا قد يؤشّر على نهايته، أو يؤشّر على دخوله مرحلة قطيعة على غرار ما يجري في العلم عندما يشهد ثورة كبرى تُنعتُ عادة بـ "إبدال جديد". هذا الحصار تمارسه أداة الإنتاج، والنهاية الوشيكة للورق، واحتمالان آخران، هما: نهاية الكتابة ونهاية الإنسان الحالي نفسه على إثر ترقيته أو تحسينه أو الزيادة فيه في غضون العقود المقبلة."

ثم تبنّى ترجمة فريق البرمجة بشركة ميكروسوفت لمصطلح Hypertextبالتشعبي، حيث يُقال "وصلة تشعبية" و"رابط تشعبي"، ولا يُقال بتاتا "وصلة ترابطية" أو "رابط ترابطي". وقد أجمع المترجمون واللغويون العرب على تعريب Hypertextبـكلمة "تشعب".

تناول أسليم كتاب سناجلة "رواية الواقعية الرقمية" خاصة المقالات التي التفتت إليه والتي يمكن تصنيفها لقسمين؛ احتفاء يصل أحيانا حدّ المبالغة، وانتقاد ورفض بلغ حدّ القسوة غير المبرَّرة. وتناول أيضا أعمال سناجلة الإبداعية مقدّما مقترحين لتطوير رواية "شات" هما أنه: "ربما كان مفيدا إضافة صفحة أو مشهد أخير إلى رواية (شات) يكون عبارة عن فهرست يتيح للقارئ الرجوع إلى أي مشهد مباشرة دون العودة التسلسلية أو الانطلاق مجددا. كذلك لا نجد أي زر للخروج من الحكي في مشاهده الأربعة عشر، وسيكون مفيدا أيضا وضع هذه الإمكانية بين أيدي القراء."

4. الدكتور مصطفى الضبع

دعا الدكتور مصطفى الضبع إلى نقد ثقافي رقمي يوسّع مفهوم النصية، من خلال العناية بالصورة واللوحة الفنية والكاريكاتير والنكتة والفيديو والمشهد السينمائي وصفحة الويب باعتبارهم جميعا نصوصا.

لقد أشار إلى ضرورة قيام النقد بتغيير نفسه لإدارة الحديث حول النص الجديد، مستخلصا مجموعة من الطرائق غير التقليدية في كتابة القصة القصيرة، والآليات المغايرة لتلقّيها باعتبارها أقرب الفنون إلى روح عصرها، منها؛ المعارضة القصصية، حضور الواقع، المتوالية القصصية. وحثّ على ضرورة التخلّص من مشكلات التلقّي الشهيرة للتعامل مع النص الجديد بآلياته لا بالآليات القديمة، مع الوعي بالشروط الجديدة للتلقّي.

يرى الضبع أن الكاريكاتير هو أحد النصوص الدالة على توسيع مفهوم النص والنقد في آن، لأنه نصّ يراهن على "أن النقد ليس منحصرا في تلك العلاقة القائمة بين النصوص الأدبية وهؤلاء الذين يعتمدون مناهج نقدية لتحليلها، وإنما يعمل على تطوير هذه المفاهيم نفسها لرؤية الواقع في نطاقه الأوسع وليس ذلك الواقع المختزل في النص الأدبي." ومن ثَمّ وقف على أشهر تقنيات الكاريكاتير خاصة؛ اللغة والخطوط والمشهد والمفارقة والتناص البصري.

أما عن بلاغة الصورة المرئية، فيرى أنها "تقوم على اختيار التقنيات، مادة الصورة وعناصرها الديكورية، الأشخاص الذين يقعون داخل كادر الكاميرا، ألوان رسوم الكاريكاتير والملصقات. ويكون لطرائق تشكيل هذه المواد الدور الأبرز في تشكيل البلاغة التأثيرية القادرة على تشكيل جماليات من شأنها وضع المتلقّي في حالة التفاعل الأقوى بتأثير النص وطرائق إنتاجه وتقديمه."

في ضوء ذلك، يكون اليوتيوب جملة مرئية تتسم فيها التفاعلية بعدد من التقنيات، وترسم الكاميرا بلاغة المشهد عبر الابتعاد والاقتراب والتركيز على أحد عناصر الصورة، ويعبّر المشهد السينمائي عن بلاغة التطهّر، والصورة تعبّر عن بلاغة السلاح، كما تعبّر أيضا عن الاستعارة والكناية المرئتين.

وفي طرحه للنص التفاعلي رأى الضبع أنه يشير إلى "مفردتين تشكّلان صيغة تمثّل نظامين يشير كل منهما إلى نشاط يقوم على نشاط مختلف، فالنص يظلّ نشاطا إستاتيكيا حتى يتوفّر له متلقٍ يتفاعل معه لإخراجه من إستاتيكيته إلى ديناميكيته، وهنا يبدأ النشاط الثاني الذي يتأسّس على مجموعة من العوامل التي من شأنها إحداث تفاعل تتوقّف درجته على مخرجات النص وعلى مكتنزاته."

ومن ثمّ تعرّض لنوعيّ التفاعل القرائي وشكليّ النص التفاعلي، وثلاثة نماذج له هي الكاريكاتير بوصفه جامعا بين الاتصال البصري واللغوي، المرئي والمقروء، الخاص والعام. ثم النكتة باعتبارها وسيلة الاتصال الأكثر بلاغة. وأخيرا الكاتب جلال عامر بوصفه أنموذجا تفاعليا لأن نصوصه صارت تمثّل أعلى معدلات التداول على شبكة الإنترنت.

ربط الضبع النص المترابط بالتشبيه؛ فالتشبيه يحرّك الخيال قبل البصر، وينتقل معنويا وذهنيا إلى صورة خيالية، الفاعل فيها هو الخيال، بينما النص المترابط، يحرّك البصر قبل الخيال، وينتقل ماديا عبر الفأرة والرابط، إلى صورة مادية، الفاعل فيها هو النص. وربط أيضا، بين الحركات الإعرابية التي تتغير وفق ما تنتجه من دلالة في التركيب اللغوي، وبين تقنيات الوسائط المتعددة خاصة الفوتوشوب، التي تعمل على تغيير حالات الصورة وشكلها وإنتاج بلاغتها الخاصة.

هناك رسائل مشتركة تبعثها هذه المقالات، أهمها؛ ضرورة العمل على زيادتها لأنها جديرة بأن تكون بين دفتيّ كتاب، وهذا ما نلفتُ الانتباه إليه ونحفّز له.

إن الضبع يمتلك عين المبدع التي تلتقط العادي من النصوص فتحوّله إلى ظاهرة نقدية. الجهود النقدية المبذولة في متابعة دور المتلقّي وتوسيع مفهوم النص رائعة لكنها لا تمثّل كل المأمول منه؛ لأنه حتى اللحظة، لم يجرّب أو يختبر أدواته النقدية على الإبداع الرقمي رواية وشعرا. ربما تكون لديه أسبابه الخاصة للتمهّل أو حتى الإحجام، وهي تُحترم على أي حال، لكن الواجب النقدي يفرض عليه أن يقول كلمته التحليلية في هذا النوع من الإبداع باعتباره أحد نقّادنا المحدثين الأكثر ملاحقة وتطورا وكتابة.

5. الدكتورة لبيبة خمار

تحدّثت الدكتورة خمار عن مأزق السرديات بعد ظهور الرواية الرقمية التفاعلية، وهو مأزق "ناشئ من كون الحكي التفاعلي لا يزال نشاطا تجريبيا أو أدبا ناشئا لم تتحدد بعدُ مواصفاته الكتابية والقرائية، التي لا تزال هي الأخرى في طور التكوين. هذه واحدة، والأخرى، أن داخل هذا الفضاء يصبح السرد مخاطرة؛ لأنه يأخذ شكل متاهة تضيع بين طياتها الحكاية، ولأنه يضع القارئ على محور كله ترقّب، وتذكّر، ورهبة تتولّد من هاجس فقدان أثر النصوص المختفية والظاهرة.

اجتهدت خمار في توضيح بعض المفاهيم الرقمية، وإزالة ما يعلوها من لبْس، كخطوة أساسية تمكّن من الانتقال من حضارة الكتاب إلى حضارة الشاشة ودخول العصر الرقمي؛ كالكتابة الرقمية، وآليات تشكلها وصيغ ظهورها.

ما يميز النصوص السردية الرقمية أنها "نصوص متعددة البدايات، والنهايات. وفضاء مكاني، وزماني من الإحالات المتتالية التي لا تتوقف عند نص بعينه؛ فكل نص منشّط يشكّل البداية، ونقطة الانطلاق، والنص الذي يتعب عنده القارئ ويتوقف عن النقر يشكّل النهاية." لكن الملاحظ أنها تروّج لمصطلحها المنحوت "القراكتابية" الذي يتحوّل بموجبه القارئ إلى كاتب/مشارك، ويتحول الكاتب إلى قارئ تفاعلي يقرأ كتاباته وكتابات غيره.

وعن جهدها في تحليل النصوص الرقمية، فقد رأت في قصة "حفنات جمر" لإسماعيل البويحياوي، أن المبدع "يبدأ في اللعب ويدعو قارئه المفترض إلى الدخول إلى عالمه، ومشاركته اللعب القائم على مبدأ الاختيار الحر." مستخدما عدة تقنيات منها؛ انشطار الذات بين المبدع والمتلقّي، لعبة انفجار السرد عن طريق اللغز وحلّه، غياب الخطية دون التقييد بالبدء والختام.

أي أنها اكتفت بقراءة التقنيات دون النصوص، وذلك يمثل قصورا شديدا في عملية القراءة. أما قراءتها لقصيدة سناجلة "وجود" فإنها التفتت إلى تقنية الحضور والغياب، لكنها لم تقدّم ما يفيد ذلك نقديا، بل تجاوزته بعدما حصرته بين تأصيل الشعر الرقمي ونفي صفة السبق عن القصيدة لأنها لم تُكتب ضمن إطار وسياق شعري مستقلّ بل وردت ضمن رواية "شات".

أخيرا، أجادت في وقفتها الطويلة أمام رواية "ظلال العاشق" لسناجلة، وتناولت التجاور التفكيكي ودمج النصوص بطريقة توحي بعدم منطقيتها انعكاسا لحقيقة الواقع، وأشارت لآليات كتابة الرواية منها؛ اعتماد مبدأ الوصل ثم الفصل، "وقد مكنته هذه التقنية من اقتطاع لحظات تاريخية قديمة ومعاصرة، ولحظات إشراقية صوفية، ولقطات فيلمية أيروتيكية ووصلها بالنص الوصيّ." الأمر الذي مكّنه من تطوير عمل الروابط من خلال استدعاء تقنيتيّ الحواشي والطيارات، اعتماد تقنية التناص، تطوير تقنية البناء والعرض عن طريق العرض المشهدي المتاهي، والعرض المشهدي الانتقائي.

6. الدكتورة فاطمة البريكي

في كتابها "مدخل إلى الأدب التفاعلي" 2006 أرّخت لترجمة مصطلح (Hypertext) متبنّية ترجمة حسام الخطيب (النص المفرّع) بنوعيه السلبي والإيجابي، رافضة محاولة نبيل علي (النص الفائق)، وترجمة يقطين (النص المترابط)، وتقريب عبير سلامة (النص المتشعّب)، وترجمة سامر سعيد (النص الممنهل). لكنها تصرّفت في ترجمة الخطيب واسم كتابه، بزيادة تاء مفتوحة، من (المفرّع) إلى (المتفرّع) دون تبرير واحد.

وقد أشار إلى ذلك يقطين، ومن بعده محمد مريني. بعدها، تطرّقت البريكي لمظاهر تجلّي الأدب إلكترونيا؛ كالمنتديات والصالونات والمواقع والمجلات الأدبية والكتاب الإلكتروني. ثم أصّلت لمصطلح التفاعلية عربيا وغربيا، وأسباب عدم شيوعه عربيا. ثم تناولت الأدب التفاعلي بين القبول والرفض، بعد أن طالت وقفتها بين أجناس الأدب التفاعلي، كالقصيدة التفاعلية والشعر التفاعلي وقصيدة الومضة والشعر الهندسي والمسرحية التفاعلية والرواية التفاعلية من حيث طُرُق التلقّي والمميزات والظهور والنماذج الدالة.

وأخيرا، قارنت البريكي بين المبدع الورقي والإلكتروني، المتلقي الورقي والإلكتروني، النص الورقي والإلكتروني، ثم تناولت العلاقة بين الأدب التفاعلي وأطراف عملية التلقي، والعلاقة بين الأدب التفاعلي ونظرية التناص.

وفي مقالتها "الرواية التفاعلية ورواية الواقعية الرقمية"، أشارت إلى تزاوج الأدب بالتكنولوجيا، ما أدى لوقوع تغيّرات في طبيعة وعناصر العملية الإبداعية، وأنتج جنسا جديدا اُصطلح عليه باسم "الأدب التفاعلي" بأنواعه. ثم تطرقت إلى تعريف الرواية التفاعلية وواقعها العربي، وانتبهت إلى الفرق بين مصطلحي الرواية التفاعلية ورواية الواقعية الرقمية.

7. الدكتورة زهور كرام

قسّمت كتابها "الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية" 2009 لشيئين: الأول نظري؛ توقّفت فيه أمام التأصيل لبعض المصطلحات الرقمية كالمؤلف والقارئ والنص ومسمياته مؤكّدة على مسألة عدم القطيعة بين الورقي والرقمي. والآخر تحليلي؛ تناولت فيه تجربتيّ سناجلة (شات 2005، صقيع 2006) مقترحة منهجها النقدي القائم على التناول النقدي "عبر خطابين يحددان الحالة الروائية المترابطة، من جهة خطاب التشخيص الروائي عبر السرد المألوف. ومن جهة ثانية، خطاب التشخيص السردي عبر الرابط."

ولا تفتأ تكرّر دعوتها المتحمّسة للرقمية معتبرة أن "الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز. وليس نزوة أو موضة عابرة أو شيئا من هذا القبيل. والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وأنثروبولوجيا."

وفي حديثها عن رواية "ظلال العاشق"، دعت إلى ضرورة تراكم النصوص الإبداعية الرقمية للقضاء على حالة الخلل والغموض التي ترافق هذا التعبير، دون أن تتوقف عند تقنيات الرواية نفسها، مستهلكة معظم مقالتها في ريادة سناجلة الرقمية.

8. الدكتورة سمر الديوب

خلقت الديوب من الأدوات القديمة سلعة جديدة وجذابة وعملية في تناولها للإبداع الرقمي. وقفت في رواية "شات" لسناجلة عند الأمور التي توضّح عبور النص من الأدبية إلى العلمية وهي؛ الشكل الفني، اللغة، الرؤية الفلسفية، حيث أخذ الشكل الفني وسيطا جديدا داخل عملية الإبداع وهو الشاشة الزرقاء، وجاء العنوان كعتبة نصية باعتباره نصا موازيا يرتبط بالنص الرقمي ويحيل عليه، بينما توافرت لغتان: "لغة ترسم معالم الشخصية في عزلتها، وهي أقرب إلى لغة الرواية الورقية، ولغة تشكّل معاني حياة البطل الافتراضية، وتفرض رموزها، وأدواتها الخاصة، وهي أن الحوارات تدور بالفصحى حيناً، وبالعامية أحياناً، الأمر الذي يثير تساؤلاً عن تكريس اللهجات الشعبية على حساب الفصحى في الرواية الرقمية."

أما الرؤية الفلسفية، فكانت التأكيد على أن "للإنسان الافتراضي قيماً ونظاماً أخلاقياً يختلف عن النظام الموجود في عالم الإنسان العاقل."

وفي قراءتها لرواية "صقيع" لسناجلة، توقّفت عند تقنية الحضور والغياب التي توسّل بها النص الرقمي لتحقيق الغياب، خاصة التقنيات الإلكترونية، حيث "تغيب علامات اللسان، وتحضر العلامات التكنولوجية، إمّا على شكل أيقونة، وإمّا على شكل رابط، فيتقلّص الكلام لدرجة أن النطق بالكلام يصبح نطقاً مقطّعاً، فيُستبدل بالدال اللساني الدال التكنولوجي الصامت حيناً، والناطق حيناً آخر."

أما في تناولها لرواية "ظلال العاشق" لسناجلة، فقد انتبهت إلى مواطن البلاغة والبلاغة المضادة، حيث تقول عنها "إنها نص مضاد؛ لأنه نصّ منفتح على السرد، والشعر، والخبر، ومقاطع الفيديو، والموسيقى، والمشاهد المتحركة، فيقرأ المبحِر، ويسمع، ويرى، وتوسِّع الروابط النص، وتفرّعه، ويتمكّن صانع النص من التفسير والتعقيب والتعليق، فثمة تعالقات نصية مع خطب وأشعار عربية قديمة، وثمة روابط مشجّرة تؤدي وظيفة الهوامش في فصل عتيق الرب، وثمة روابط تصويرية مشهديّة ننتقل إليها بالضغط على الزرّ، وروابط ناقلة إلى نصوص حركية، وروابط تجاور نص المتن. وهنالك مركز يشدّ هذه الروابط جميعاً، ويُخرج من المتاهة التي يمكن أن نقع بها ونحن نبحر في الرواية."

ما يُحسب للديوب أنها لم تغضّ الطرف عن أشهر نواقص رواية "ظلال العاشق" وهي "الاستطالة في السرد، وإمكان حذف المقاطع المتحركة والفيديو من غير أن تتأثر الرواية، وإمكان تحويلها إلى رواية خطية، وابتعادها عن التعبير عن العصر الرقمي والإنسان الرقمي الافتراضي."

أخيرا في مقاربتها لقصيدة "تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق" لعباس معن، تسجّل ملاحظة تتعلّق بالوسائل التقنية الموظّفة في بناء النص الرقمي، وهي أن "ثمة تشابها بين هذه التقنيات، وهو أمر أدّى إلى تشابه في التجارب الرقمية على مستوى القصيدة العربية وغير العربية، فالتقنية واحدة، وتبقى الخصوصية في استخدام هذه التقنية بما يتناسب والحال النفسية للمبدع الرقمي."

ورغم أن الديوب اقترحت منهجا نقديا متمثّلا في "نقد منفتح على تنوّع الثقافات وتنوّع الفنون معاً، ما يعني أنه نقد ثقافي رقمي يحاور فنون الهندسة الرقمية، ويتعامل مع الفنون المتنوعة المشاركة في البناء، ويوسّع مفهوم النصية، فيشمل كل ما يستطيع التأثير في المبحِر، ويهتم باللون والصوت والصورة والحركة والكلمة، ويجعل الهندسة الرقمية حجر الأساس في تحليل النص." إلا أن تطبيقها النقدي لم يكن بمستوى هذا المقترح.

نقطة أخيرة، تتعلّق بتوجّه الديوب حيث نحار أمام توصيفه؛ هل هو تصحيح أم التباس إزاء أزمة الوجود بين الورقي والرقمي، حيث رأت أن "النص الرقمي استمرار للأدب الورقي، لا قطيعة معه." ثم أكدت أن "الكتابة الرقمية امتداد للكتابة الورقية، لا انقطاع عنها." لكنها تراجعت عن ذلك بقولها: "الرقمية تجلٍّ لقطيعة مع الأدب السابق، وهي آخر مرحلة من مراحل تطور الأدب التي يمكن أن نمثلها بالشكل الآتي: أدب شفهي ←أدب ورقي ←أدب رقمي."

9. الدكتور عمر زرفاوي

له كتاب بعنوان: "الكتابة الزرقاء.. مدخل إلى الأدب التفاعلي" 2013. تناول في فصله الثالث مصطلح النص المترابط وقد حفر في خلفيته التاريخية ومساره المعرفي، مقارنا بين التعلّق النصي في النص الورقي، والترابط النصي في النص الإلكتروني، مقارنا بين الأدب الورقي والأدب التفاعلي/ الإلكتروني. وفي الفصل الرابع والأخير عرّف بجنس الأدب التفاعلي وتتبع مسار تحوله من أجناسه الورقية إلى أجناسه التفاعلية/ الإلكترونية، ثم أصل هذه المصطلحات غربيا وعربيا.

10. الدكتور محمد مريني

أصّل الدكتور مريني في كتابه "النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي" 2015 للنص المتشعب، ومصادره الأساسية: "التناص، والسيبرنطيقا، والأبحاث السيكولوجية حول الذاكرة." ثم تتبّع الإسهامات الغربية والعربية في ترجمة مصطلح (Hypertext)، حيث؛ (المفرّع) للدكتور الخطيب، و(المتفرّع) تصريف الدكتورة البريكي، وتراجع الدكتور نبيل عليّ عن حرفية (الفائق)، واقتراح الدكتور يقطين (المترابط)، مفضّلا عليهم جميعا مصطلح (النص المتشعّب) لسببين "أولهما شيوع هذه الترجمة... ويتمثّل ثانيها في تطابق الدلالات اللغوية لمصطلح (Hypertext) مع ما ورد في المعاجم العربية عن مادة (شعب)."

ثم يذكر خصائص النص المتشعّب، من اللاخطية والتفاعلية والافتراضية وتعدد الوسائط. الغريب أن المريني اقترح ترجمة (المتشعّب) دون أن ينسبه لصاحبته الدكتورة عبير سلامة، كما فعل الإكاديميون والباحثون.

عن موقع ميدل ايست اونلاين

يتبع الجزء الثاني على الرابط التالي: http://www.arab-ewriters.com/articlesDetiles.php?topicId=116

كتبت بواسطة : محمد سناجلة    23/04/2024
التعليقات

لا يوجد تعليقات

 
اضف تعليقك
الإسم الكامل
العنوان
المحتوى
 
شات
شات
صقيع
صقيع
ظلال الواحد
ظلال الواحد
مساحة إعلانية