أخبار الاتحاد
07/08/2024
6:11 pm
مسقط تحتضن ثامن دورات مهرجان المسرح العماني
العاصمة العمانية تستعد لاستقبال فعاليات دورة جديدة من المهرجان وذلك في إطار تدوير إقامة هذا الحدث على محافظات السلطنة.

29/08/2023
9:07 am
بيت الشعر بالشارقة يستضيف القطراوي ورفعت والحويجة
ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، وبحضور لافتٍ من الشعراء والنقاد والمثقفين ومحبي الشعر اكتظت بهم قاعة المنتدى

29/08/2023
9:05 am
دار الشعر بتطوان تحتفي بالقصيدة المغربية في مناطق جديدة
حضور المئات من المصطافين والمترددين على شاطئ السعيدية من مغاربة العالم، وعلى الحدود المغربية – الجزائرية، أقامت دار الشعر بتطوان فعاليات الدورة الخامسة من ملتقى "بحور الشعر"
مساحة إعلانية
الثقافة الرقمية وتحديات التكنولوجيا... د.فاطمة كدو
الثقافة الرقمية وتحديات التكنولوجيا... د.فاطمة كدو
الثقافة الرقمية وتحديات التكنولوجيا... د.فاطمة كدو

    الثقافة الرقمية وتحديات التكنولوجيا

    

 

1-   نحو ثقافة مغايرة

 

تشكل الثقافة الرقمية تحديا تكنولوجيا مصيريا ، باعتبارها ثقافة الألفية الثالثة .بعد أن عشنا خلال القرن المضي( ق20)داخل أجواء النظريات والمذاهب والتيارات الفكرية والفلسفية والدينية ، لندخل إلى القرن الواحد والعشرين محملين بإرهاصات حوار الحضارات  والثقافات وصراع المال والأعمال، والشركات العابرات للقارت .

1-2 تتمظهر الثقافة الرقمية من خلال تحديات التكنولوجيا كمؤشر على الكونية والشمولية ، التي معناها العولمة، بالمختصر المفيد ،كما تواضع على مخاطبتها أغلب المهتمين . وإذا شئنا التدقيق والتخصيص ،إنها "العولمة الثقافية" المرتبطة بعالم الاتصال/ الإعلام / المعلوماتية /المعرفة ..وغيرها من الآليات التي تقع في صلب اهتماماتنا اليومية ، شئنا أم أبينا ، سواء أحببنا الولوج إلى هذه العوالم عن طيب خاطر حسب إيماننا بتجدد العالم ، وبحثناعن وسائل جديدة لتطوير معارفنا ، بأفضل تكلفة زمنية ممكنة ؛ أم رغما عنا مخافة أن يتجاوزنا الركب فنصبح بالتالي ممن يعاني " الأمية الجديدة" :"الأمية التكنولوجية"

1-3 إن تحديات التكنولوجيا ، تضعنا في قلب المواجهة مع "الاتصال" وآلياته ، مع الإشارة إلى عسر تحول "الاتصال" إلى "تواصل" ، وتعذر تأثيرهما في منظومة القيم ،كما يرى يحيى اليحياوي ، الذي يقرر أن مدى الاستفادة من الأدوات والتكنولوجيات مرهون ليس فقط بتواجدها ،بل أيضا مرهون بانتشارها وبالمضامين التي تحتويها ، وكذا بتجذرها في منظومات القيم والرموز . مع التذكير أن عبارة "الاتصال" ليست جديدة ، بل هي قديمة ، ومورست عبر مراحل تاريخية متباينة وعديدة ، ولازالت فاعلة وستظل ، لأنها تصطبغ بالمجالات  التي تنتمي إليها سيسيولوجيا وأنثروبولوجيا وفكريا وثقافيا ، وفي مجالات العلوم على كافة أشكالها . (1)

   ويستشهد يحيى اليحياوي بوجهة نظر فليب بروتون الذي يرى أن  " مجموع ما نسميه اليوم بممارسات الاتصال إنما كانت موجودة منذ زمن بعيد :فالإنسان بالمفهوم الواسع للكلمة، كان دائما ودوما يتواصل .هذه الممارسات يمكن اعتبارها مزامنة للإنسانية تماما كاللغة أو الأداة اللتان تعتبران الميزات الأساسية لإنسان ما قبل التاريخ ...إنه بالإمكان تصور أن ممارسات الاتصال كانت بامتياز نقطة تلاق بين اللغة والأداة .أليس الاتصال هو في الآن معا تفعيل تقني للغة ، مثلا في التبليغ والتبرير ، وحركة إبداع في ميدان التقنيات التي بمقدورها نقل الكلام على شكل رسالة " (2).

    تحضر اللغة إذن، وكذا التقنية ( الأداة) كركيزتين يتم من خلالهما وعبرهما " الاتصال ".كما أن فضاء "الاتصال " هذا، لم يكن يوما منفصلا عن عالم اللغة وعالم التقنية.بل كان الترابط هو السمة التي تؤلف بينها جميعا .لكن فضاء الاتصال هذا أخذ بعدا آخر في إطار نظريات الإعلام ونظريات الاتصال ونظرية السيبرنيتك ، كما عرفها على سبيل الذكر لا الحصر روبيرت إسكاربيت Robert Escarpitفي الجزء الخامس من كتابه  ،الذي عنونه ب "le rêve cybernitique "( 3) حيث عرض تاريخ السيبرنتيك ، والمحاولات العديدة لرواد هذا المجال في الربط بين الإنسان والآلة ، من خلال دراسة آليات التواصل والمراقبة في الجانب المتعلق بالأداة التقنية ، وكذا الجانب المتعلق بالأفراد وعلاقتهما الجدلية ..

1-4 يتحدد السيبرنيتيك " cybernétique"معجميا ( 4) ك :

لفظ يعني في أصله الإغريقي kubernesisعملية قيادة سفينة ، ويعني في مدلوله العام ، عملية القيادة والتسيير ، وعلم التسيير.

علم تتقاطع فيه علوم عديدة ، تهتم بنظم الضبط والتسيير والتواصل بالنسبة للعضويات الحية والآلات ؛ وذلك عن طريق معرفة بنياتها وحالاتها الداخلية والعمليات التي تقوم بها قصد توقع تطورها خلال مدة معينة ، وقصد معرفة الغايات التي تسعى إليها ، وضمان فعالية العمليات التي تمكن من تحقيق تلك الغايات .وتعتمد السيبرنتيك مجموعة من المفاهيم المركزية ، مثل مفهوم الفيدباك الإيجابي والسلبي ومفهوم الضبط الذاتي ومفهوم التصحيح الذاتي ومفهوم العلبة السوداء .

امتدت السيبرنيتك بتأثيرها إلى مجالات التربية والتعليم ، إذ نجد لها حضورا على المستويات التالية التي تكون مقاربة سيبرنتيكية للتربية:

1/ أثرت على تكنولوجيا التربية من خلال آلات التواصل السمعي –البصري الموظفة في التعليم والمستعملة للحاسوب .

2/ أثرت على نظم التربية والتعليم من خلال الاهتمام بإدخال مفاهيم تحليل النظم.

3/ أثرت على تعلم المواد واعتماد تنظيم للمحتويات ( الخوارزميات) .

4/ أثرت على إجراءات التعليم ووسائله المساعدة وطرق تدبيره بإدخال مفاهيم المعلوميات وآلياتها .

كما صيغ سنة 1948 من طرف نوبير وينر noubert wienerليدل على المادة التي تدرس سيرورة التحكم والتواصل لدى الكائنات الحية ولدى الآلات والأنظمة السوسيولوجية والاقتصادية .

   فمنذ 1943 كان للتيار السيبرنتيكي المنشط من طرف كبار العلماء ، أمثال وينير weinerوبيجلو Bigelowومكلوخ Mc cullochوبيتس Pittsورزونبليوت Rosenblueth وتوران Toringوفون نومن  Von Neumann...طموح محدود في قيادة المغامرة العلمية نحو عظمتها من خلال بناء علم حول العقل .ويطلق على هذا التيار ، السيبرنتيكا الأولى ، أي سيبرنتيكا المؤسسين .

   لكن ما الذي كان يبحث عنه وينر ورفاقه خلال الأربعينيات ؟

لقد كانوا يبحثون عن بناء نموذج منسجم لوظيفة الأنساق الاصطناعية والأنظمة الطبيعية،  بحيث أن ثلاثة مفاهيم منظمة ، كانت تؤسس عليها السيبرنتكية ، هي :

1/ الاصطناع ، وهو فهم السلوك الذكي الذي يسمح بظهور الاصطناعي بواسطة اللغة المنطقية الرياضية .

2/ التغذية الراجعة ، التي تشكل معلومة مخرج نظام ، تنعكس حول المدخل وتنظم السلوك .

3/ تشفير المعلومة، على اعتبار أن حسابا منطقيا لا يمكن أن يتم إلا من خلال تشفير دقيق للمعلومة.

إن مفهوم " التغذية الراجعة " هو أحد المفاهيم الأساسية لوصف كيفية اشتغال الآلات والكائنات الإنسانية.

   ذلك أن السلوك النشيط ‘ يمكن أن يقسم إلى فئتين : فئة بدون هدف ، تحدث عن طريق الصدفة ،وفئة ذات هدف ، أي فئة ذات تغذية راجعة .ذلك أن كل سلوك موجه نحو هدف، يتطلب تغذية راجعة سلبية . كما أنه إذا رغبنا بلوغ هدف ما، يكون من الضروري صدور إشارات عن الهدف ‘ في فترة معينة ، لتوجيه السلوك .

   وبإدخال التمييز بين التغذية الراجعة السلبية ، التي تصحح الفارق ؛ والتغذية الراجعة الإيجابية ، التي تزيد من حجم الفارق ؛ فإن الباحثين ، قد اعتبروا الإنسان والآلة كأنظمة إعلامية ، قادرة على المراقبة النسبية للسلوك .وتعد بنية الإنسان كبنية ذات مستوى عال ؛ قادر على اختزال الفارق تجاه الهدف ، من خلال التصحيحات المتوالية التي تقوم بها التغذية الراجعة السلبية .وإذا كانت هناك بنية داخلية قادرة على السماح بمثل هذه التصحيحات ، يمكن تخيلها من طبيعة منطقية.

  لقد انفجرت السبيرنتيكا الأولى ما بين 1955-1960 مما سمح بظهور المواد الجديدة أو المتجددة بشكل كبير ، كما هو الشأن بالنسبة للذكاء الاصطناعي والإعلاميات والسيكولوجيا المعرفاتية والأنثروبولوجيا وفلسفة العلوم وعلوم التواصل والإخبار ونظريات الأنظمة والبيولوجيا والعلوم الاجتماعية ..وكذا العلوم المعرفاتية .

ولقد ظهرت اليوم سبيرنتيكا ثانية ، تحت اسم الربطية connescionisme.وهناك بعض الباحثين يطلقون تسمية بيداغوجيا سبيرنتيكية على بيداغوجيا الأهداف للتركيز على أهمية التقييم ، أي على انعكاس الأثر أو النتيجة على السبب داخل هذا النمط من البيداغوجيا .

1-5 وهكذا تولدت السبيرنتيك من خلال تغيير العلاقة الأزلية التي سادت لفترة طويلة ، التي تقتضي أن العلاقة التي تقوم على أساس خطي ، يتمظهرمن خلال أن السبب (أ) يؤدي إلى النتيجة (ب) .لكن رواد السبيرنتيك كل من موقع اجتهاده ، توصلوا إلى أنه بالإمكان تغيير هذه العلاقة : من  السببية الخطية إلى السببية الدائرية ، فبدل :

 

 

 

 

   ( السبب (أ)                          ⇔       (ب) 

 

ننتقل إلى الترسيمة الدائرية التالية: 

 

 

       

                      الانطلاق             ⇔       الوصول                                                                        

                                                                                                                                       

 

                                                                                                           

     Î                                                                         Î

                                               الرسالة                                          

السبب(أ)                                                                 النتيجة (ب)

          

                       ب) يتفاعل..يقوم ب"ردة فعل "ويرجع  

                            ( الرسالة إلى (أ)

                            العودة   (Feedback)

                                                                                                                                                         ⇒                        

ف(أ) يؤثر في (ب) ، ولكن الأمر لا يتوقف هنا ، أي نكتفي بالحصول على ما يحدث ل (ب) من تأثيرات (أ) ، بل إن (ب) يتفاعل مع هذه التأثيرات ، ويعاود إرسال الرسالة إلى(أ) ؛ وهذاما يسمى ب feedback" (ترجمتها في اللغة العربية :" التغذية الراجعة" لكننا نتحفظ على هكذا ترجمة ونفضل استعمال عبارة "ردة الفعل". )إن هذا الفيد باك هو عبارة عن ردود أفعال (ب) الذي هو المرسل إليه اتجاه المرسل (أ) . ويمكن للفرد الواحد أن يكون في ذات الآن (أ) و (ب) ، يمكن أن يصدر عنه سلوك ما فيتأثر بنتائج سلوكه هو نفسه ،فيقوم إما بتصحيح سلوكه، أو إقصاء ما يراه غير مناسب من سلوكيات وأفعال . ويقول عبد الكريم غريب في هذا الإطار :

يعد لفظ تغذية راجعة كمرادف للضبط الذاتي :

بخصوص نظام يمتلك الضبط الذاتي ، فإن المعلومة أو الإخبار الراجع يسمح لهذا النظام بتعديل بعض المتغيرات لإقامة حالة من التوازن والاستمرار في الاشتغال وفق قوانين جاهزة .

-أما بخصوص التواصل البين شخصي ، يسمح الإخبار الراجع للمرسل  بتعديل وتكييف إرساليته انطلاقا من ردود أفعال المستقبل / المتلقي  .

 

       

2- ثقافة الإنترنيت :

2-1   عندما نتحدث هنا عن ثقافة الإنترنيت ، فنحن إذن ندخل بوابة عالمية ، تتناسل بداخلها مصطلحات ومفاهيم لا حد لها .حيث نجد أنفسنا أمام كم هائل من العبارات من قبيل : المجتمع الشبكي / المجتمع الرقمي / مجتمع الاتصال / مجتمع المعرفة/ المجتمع الإعلامي / العالم الافتراضي /العالم العنكبوتي /مواقع التواصل الاجتماعي /غرف الدردشة /خدمة الرسائل / خدمة الإميسن(msn(/.نحن أمام مرحلة جديدة من التطور الإنساني " والواقع أن شبكة العنكبوت التي انفرد الإنترنيت (دون سواه من   مستجدات تكنولوجية سابقة) بتوسيعها لدرجة تغطيتها شتى أنحاء المعمور ، لا تتميز فقط بكونها وفرت شروطا تقنية لربط ملايين الحواسيب ببعضها البعض أو بكونها كانت وراء بروز بروتوكولات في الاتصال جديدة ، ولكن أيضا وبالأساس لأنها نجحت في دمج مختلف شبكات الإعلام والاتصال التي كانت إلى حين وقت قريب مستقلة وإلى حد ما متنافرة ."(5) .

2-2   لم تكن شبكة الإنترنيت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا وجود عاملين أساسيين ،الأول قطاعي مرتبط بقطاع الاتصال والمعلوميات ؛ والثاني مرتبط بالظروف الجيوسياسية ، التي سرعت في ولادة هذه الشبكة " من الثابت أن ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين وتسابقهما بغرض امتلاك ناصية تكنولوجيا الفضاء إنما دفع الإدارة الأمريكية بداية ستينات القرن الماضي ، إلى إقامة نظام من الاتصالات غير قابل للاهتزاز أو التدمير حتى في حالة هجوم نووي من لدن الطرف الخصم."(6).

   لقد تمكنت شبكة الإنترنيت ، من خلال تكنولوجيا التحويل بالرزم من الاستقلالية التامة عن مراكز القيادة والتحكم وذلك على أساس تمكن وحدات الرسائل من أن تبحث لنفسها وبشكل تلقائي عن نظام مرورها الخاص عبر الخطوط ،و أن تتجمع بشكل منسق مع أي نقطة من الشبكة دون الاستعانة بأي تدخل بشري ، "عندما مكنت التكنولوجيا الرقمية، فيما بعد ، من وضع كل أنواع الرسائل على شكل رزم (بما فيها الصوت والصورة ) تكونت الشبكة التي أصبح بمقدورها إرسال كل أشكال الرموز دون اللجوء إلى أي مركز كان للمراقبة" (7).

 لقد اختصر العالم الزمن والمكان في اللغة الرقمية ومنطقها الخاص، وأخضع التكنولوجيا المعلوماتية من أجل تحقيق تواصل أفقي عالمي.

2-3  ما بين "ثقافة الإنترنيت "و "الثقافة الافتراضية "عبر الإنترنيت ،مسافة شاسعة من التساؤلات والأطروحات . خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن شبكة الإنترنيت، لم تهتم في يوم من أيام تشكلها وتطورها التكنولوجي ،بالجانب الثقافي ،كمكون أساسي ضمن المنظومة التكنولوجية "التي مأسست لاقتصاد جديد مرتكز على إنتاج وتداول واستهلاك المعلومات "(8).من هنا شرعية الأسئلة بخصوص إمكانية خدمة الإنترنيت للمسألة الثقافية ، هل تقتصر علاقة الإنترنيت بالثقافة فقط على عملية التجميع والتخزين والاستغلال والتوزيع ، دون التمكن من خلق وابتكار ثقافة لها خصوصيتها وهويتها ؟ وكيف يمكن لشبكة الإنترنيت أن تتجاوز حدود الترويج  للثقافة من خلال إخضاعها لعملية الرقمنة ، إلى منتجة للثقافة ؟ ثم ما هو دور الفرد والجماعة كمنتجين للثقافة في علاقتهم بنظم شبكة الإنترنيت ؟ "إن الجماعات في تقاليد البحث السوسيولوجي كانت مرتكزة على اقتسام بعض القيم  وعلى التنظيم الاجتماعي ، والشبكات مصممة وفق اختيارات واستراتيجيات محددة سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالمجموعات .إن الطفرة الكبيرة للانتماء الاجتماعي في المجتمعات المعقدة قد مرت بتحول في الشكل الأساسي للعلاقة الاجتماعية  : تعويض الشبكات للجماعات الترابية .....والملمح إليه هنا بعبارة " تعويض الشبكات " إنما هيمنة الفردانية وغلبة الطقوس النافرة من ذات الجماعات والمتواصلة عبر الحاسوب لدرجة يبدو معها الإنترنيت الرافع المادي المناسب للترويج للذات الفردانية وليس خالقها بالشبكة" (9).

      هل يمكن القول بأن الفرد من خلال تواصله عبر الحاسوب وانقطاعه بالتالي عن الجماعة المحيطة به،  يساهم  في خلق أجواء تمثله الخاص به " والذي تصبح الثقافة الافتراضية بمقتضاه هي "الثقافة الواقعية" ؟ إنها ثقافة افتراضية لأنها مصاغة أساسا وفق عمليات للتواصل افتراضية إلكترونية .وهي واقعية وليست خيالية لأنها واقعنا الأساسي ، القاعدة المادية التي انطلاقا منها نعيش حياتنا ، نصمم منظومات تمثلنا ،ننجز عملنا ، ندخل في علاقات مع الآخرين ، نجرب معلوماتنا ،نصيغ آراءنا ، نعيش حركتنا السياسية ، ونحافظ على أحلامنا الافتراضية هي واقعنا . إن الذي يطبع ثقافتنا حقا في عصر المعلومات هو أنه عبر الافتراضية ( وعبرها فقط ) يخلق المعنى "( 10). وبالتالي يمكن اعتبار شبكة الإنترنيت داعمة للثقافة الافتراضية، وتخدمها من خلال خلق فضاء رمزي لها، يتم عبره التداول والترويج بعيدا عن إكراهات الزمن والمكان. "والواقع أنه لو حصرنا المنتوج الثقافي في الكتاب مثلا لبرز جليا كيف أنه من الأشكال الثقافية الكبرى التي وجدت فيها التكنولوجيا الرقمية موضع تطبيق ومجال استخدام ، لدرجة يذهب معها الاعتقاد إلى القول بأننا بهذه النقطة إنما  نحن بإزاء تضخم في اقتناء النص المكتوب لهذه التكنولوجيا وتوسيع منقطع النظير لعرض المعلومات تتجاوز بكثير ما بإمكان الذهن البشري أن يعالجه "(11). وهكذا أصبح النشر الرقمي تلك النافذة التي نطل من خلالها على كتابة جديدة تنتج عنها بالطبع قراءة جديدة .

    يلاحظ أغلب المهتمين بالإنترنيت وبحمولته المعرفية والمعلوماتية ، بأن شبكة الإنترنيت بعيدة كل البعد عن إنتاج الثقافة بمعناها الأنثروبولوجي؛وأن حمولتها المعرفية وزادها الفكري إنما هو مجرد معلومات وأخبار وتقارير في هيئة مقالات وتدوينات .بل هناك مواقع ذات بعد تجاري همها الربح كمواقع بيع الكتب والموسوعات والأقراص المدمجة  وغيرها .وهو توجه، " يزداد بوتيرة أسرع من تلك التي قد تبدو بها المواقع المخصصة للثقافة أو للتربية أو لغيرها..و على الرغم من توفر العديد من المنظمات الثقافية (العالمية كما الجهوية  كما الإقليمية)على مواقع ،فإن السمة الطاغية على هذه المواقع تبقى العمومية والاختزال وعدم الدقة "(12).

    كيف يمكننا الحديث عن إنتاج الثقافة من خلال شبكة الإنترنيت – بالنسبة لنا كعرب- ونحن لا زلنا نبحث للغتنا العربية عن موطئ قدم ،داخل هذا العالم التكنولوجي ،الذي يزداد تطورا واندفاعا نحو تبني أدوات جديدة بسرعة فائقة لا تنتظر أحدا  ، ولا تقبل عذرا من المتأخرين عن الركب ؟ لم تعد هيمنة بعض لغات العالم على عمليات التبادل الاقتصادي ،والإنتاجي على المستوى المعرفي والتكنولوجي ،موضع شك أو ارتياب ، فالواقع يؤكد ذلك بالحجة والبرهان ؛بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى مسألة أخطر ، تتجلى في تهديدها للحق في التباين والاختلاف ، وخطرا على هويات الأفراد والجماعات بهذه المنطقة من العالم أو تلك (13) بل هي تقوض المعاهدات الدولية والاتفاقيات العالمية ، التي رعتها الأمم المتحدة ، ومن بينها الحق في التنوع الثقافي ، والخصوصية الثقافية... وذلك على أساس أن اللغة هي أداة اتصال وتواصل وتبليغ، وهي كذلك قاطرة لتبادل المعلومات والمعارف، وهي وسيلة للمشاركة والتعبير عن الهوية التي تتحدث باسمها قاريا وعالميا، وأيضا باعتبارها أداة للتربية والثقافة، والعلوم والتقنيات. فهل نحن في مستوى هذه الرهانات ، التي تجعلنا قادرين على مواجهة لغة من قبيل اللغة الإنجليزية مثلا لا حصرا ؟ التي لم تتفوق - طبعا- على أساس بنيتها الداخلية أو توفرها على سمات مميزة لها عن غيرها ، ولكنه تأتى لها كون الدولة الثاوية خلفها ( الولايات المتحدة الأمريكية) انفردت بسلطان القوة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية وسلطان البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وغيرها (14).

   لم يعد الحديث عن "اللغة "محصورا في الكتابات الورقية ، ولا في الخطابات المناسباتية   سواء كانت علمية  أم سياسية ، أم فكرية أم تقنية . بل إن اللغة نفسها أصبحت تهوى التمدد وتعشق المغامرة ، وتركب كل مركب يمكنها من الاقتراب من مجالات جديدة ..وكلما اقتربت من هذا  المجال أو ذاك وتمكنت منه ،ازدادت رغبتها في بلوغ مدارك أخرى ، وبالتالي وجب التساؤل عن وضعها في المجتمع المعلوماتي ، الذي اكتسبت من خلال ولوجه  صفات جديدة ودلالات رمزية لا يمكن المرور عليها دون قراءة تموضعها داخله. وبالتالي ،أصبح من المؤكد أنه يستحيل فصل اللغة والثقافة ، عن هذا العالم وتحولاته الكبرى، المتمثلة في المنظومة المعلوماتية ،وشبكات الاتصال ،والنظام التكنولوجي بصفة عامة .وباعتبار اللغة هي وسيط بين الثقافات ، فهي ولا شك تتأثر بهذه الثقافات ، بحكم التفاعل والتبادل ، والتأثير والتأثر. وعندما تلج هذه الثقافة عوالم مبتكرة بفعل الثورة التكنولوجية ، فإن اللغة ترافق الثقافة في رحلتها وتتلون بما يقدمه الفضاء التكنولوجي من تقنيات وأدوات وآليات و" بالتالي فمستقبل  الثقافات كما اللغات إنما يتحدد بقدرتها على التواجد بهذا النظام وقدرتها على تمرير المضامين والمعارف بداخله .إذ في مواجهة تقدم لغة كونية ضاغطة فإن لغة كل بلد وثقافته إنما سيكونان صورة لما نريده لهما اليوم وليس شيئا آخر " (15).

    فكيف هو إذن حال تعامل الثقافة العربية مع التحديات التكنولوجية ؟ " من الواضح أن اللغة ليست فقط أداة للتواصل ، ولكنها أيضا محور أي عمل ثقافي وحضاري ، بل لأنها أداة للتواصل لا يمكنها إلا أن تكون المحور المركزي لأي عمل .ولا يمكن التفكير في كبريات القضايا الثقافية وسواها ، وما تفرضه من تحديات بدون وضعها في الاعتبار. والتفكير في اللغة العربية جزء مهم من تفكيرنا في كل شروط ومقومات وجودنا في العصر الحديث "(16) .

  إن وجودنا في العصر الحديث لا يتحقق فقط من خلال التعامل (بشكل مجاني /استهلاكي لا إبداع فيه ) مع التكنولوجيا بمختلف أشكالها ، باعتبارها تساهم في عصرنة سلوكياتنا وتفكيرنا من خلال ثقافة مواكبة للتطورات التكنولوجية ؛بل إن هذا الوجود يتحقق بالأساس، بمدى مساهمتنا فيما يشهده العالم من تحولات على صعيد المعلومات   : عصر المعلومات /ثورة المعلومات ...التي أصبحت هي مقياس انخراط الدول والأمم  في بناء حضارتها من خلال الانتقال نحو مجتمع المعرفة على أساس استراتيجية تنموية ، إذ " لا يمكن لأية استراتيجيا تنموية أن تنجح في الظرف الراهن ، وفي المستقبل ، بدون سياسة طويلة المدى في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال ، إنها آلية الانتقال نحو مجتمع المعرفة . ويتوقف هذا الانتقال على وجود إرادة سياسية قادرة على وضع حد لنماذج التنمية القائمة على التقليد الأعمى ، ذلك بإعطاء الأولوية للتنمية البشرية والبحث العلمي،وإيجاد مناخ سياسي يشجع على حرية التعبير واحترام الكرامة الإنسانية ، وتطوير أنساق الإعلام الخلاقة، وتفعيل التعاون الجهوي جنوب /جنوب ، و انتهاج سياسة التركيز على الدخل ، من أجل الحد من امتداد الهيمنة ، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تكنولوجيا الإعلام والاتصال ، ستظل مصدرا للامساواة والتفوق في المجال الاقتصادي والعسكري والثقافي "(17)  .

         إن دخول "مجتمع المعرفة "معناه نقل المعارف بين الأفراد والجماعات ،و إقامة تواصل بين مختلف جهات العالم للاطلاع على كل كبيرة وصغيرة في مجال المعارف بكافة أنواعها من ترجمات عبر القاموس الرقمي للمصطلحات والمفاهيم والموسوعات العلمية بكل لغات العالم ، إلى المطبخ بكل ألوان الثقافات ، والموضة ومواقع الصحة والصحافة الإلكترونية ...." إن دخول عصر المعلومات بالنسبة لنا نحن العرب معناه دخول مرحلة جديدة من العمل الثقافي وتحصيل المعلومات ، والعمل من أجل المساهمة في تطوير ممارستنا الثقافية لتتلاءم مع العصر ، عصر الإعلاميات والمعلوميات. ودخول العصر الجديد معناه الانتقال إلى ممارسة ثقافة جديدة ، وخلق وسائل جديدة للتواصل ( الوسائط المتفاعلة ) والعمل على تطويرها باطراد وتوظيفها في مختلف المجالات (الاقتصاد، التربية ، الإبداع ،النشر ...)"(18). 

     هل نحن أمام نقلة نوعية، وأسلوب جديد في التواصل من خلال تطور الوسائط وانتشارها ؟ "يبدو   مع تطور هذه الوسائط وانتشارها السريع ، أن اللغة أضحت في الآن ذاته ، وسيطا مثلها وحاملا لمنظومة رمزية بالإمكان تلمسها من خلال ما يصطلح على تسميته ب "الثقافة الافتراضية  .ومعنى هذا أن شبكات المجتمع المعلوماتي إنما تتميز بقدرتها غير المسبوقة على ربط كل التعبيرات الثقافية كائنة ما تكن مستويات تباينها وتعددها ."(19)  

   تظل اللغة إذن ،لصيقة بالثقافة وشديدة الارتباط بها  ، داخل الشبكة التواصلية "إذ من المؤكد أن اندماج مختلف التعبيرات الثقافية في نظام التواصل المندمج والمبني على إنتاج وتوزيع وتبادل الرموز الإلكترونية المرقمنة ، إنما هو ذو تبعات اجتماعية وثقافية ولغوية كبيرة تتحدد بموجبها طبيعة المجتمع المعلوماتي ذاته" (20).

   3- أحادية لغة المجتمع المعلوماتي وتهديد التنوع الثقافي

3-1 اللغة الإنجليزية  والهيمنة على المجتمع المعلوماتي :

  إن المتتبع للإنترنيت بكافة مكوناته والمبحر في كل زواياه يتحقق بكل تأكيد من أن اللغة الإنجليزية، هي لغة المجتمع المعلوماتي " يتجلى لنا هذا الوضع الذي تعيشه العربية في زمان الإنترنيت من خلال تبوئها المقام الذي يجعلها لغة ثانوية للتواصل على صعيد الشبكة .إذ ماتزال الفرنسية والإنجليزية في العالم العربي تحتلان المرتبة الأولى في التواصل بين العرب .فالعديد من المواقع المؤسسية الرسمية والجامعية المهمة وكذا العديد من الصفحات الشخصية المتميزة ، وخاصة في المغرب العربي ، تعتمد الفرنسية أو الإنجليزية ، ويمكن قول الشيء نفسه عن محركات البحث "(21).

    كما أن كافة البنى التحتية الإعلامية والاتصالية ، تطبعها هيمنة اللغة الإنجليزية  كلغة مركزية " تدور في فلكها عشرات من اللغات / المركز (فرنسية ، إسبانية ،عربية ،صينية ، هندية ، ماليزية ....إلخ ) وتدور في فلكها مائة إلى مائتي لغة مركزية تعتبر بدورها قطب المحور لأربعة آلاف إلى خمسة آلاف لغة هامشية"(22).

  إن هيمنة الولايا ت المتحدة الأمريكية على النظام التكنولوجي ، وبالتالي السيطرة على المجتمع المعلوماتي ، لايقف عند هذا الحد ، بل يتجاوزه إلى ربط اللغة الإنجليزية بالمنظومة التربوية والثقافية ، وبالتالي " تبقى اللغات الأخرى بموجب ذلك لغات ثانوية أو مقتصرة على دولة أو مجموعة دول وفي البعض الآخر منها على الاستعمال الشفوي البدائي ، أو الاستعمال عن قرب أو الاستعمال الخاص " (23) ؛ يقول المهدي المنجرة في كتابه "الإهانة في عهد الميغا إمبريالية " : "ونحن نعلم جيدا أن أمركة أوروبا بعد الحرب تمثل خطرا كبيرا ، ونعلم جيدا ما الذي سنفقده إذا ما تحقق هذا الأمر ،والذي سنفقده هو جزء منا وهو قريب من الشرق ....إن أمركة أوروبا ستؤدي إلى أمركة العالم ، وبالتالي إلى فقدان الإنسانية لماضيها ، والماضي إذا ما فقدناه مرة ، فإنه يستحيل علينا الحصول عليه من جديد . فالإنسان لا يستطيع أن يصنع ماضيه ، وإنما بمقدوره أن يحافظ عليه فقط" (24) .

3-2 إن الماضي بكل حمولته المعرفية والثقافية والحضارية واللغوية ،أصبح مهددا من قبل لغة مركزية  مهيمنة ،هيمنة المجال الجيوسياسي والاقتصادي الذي تربت في أحضانه،  والذي أصبحت هي الناطقة باسم تقدمه التكنولوجي والمعلوماتي .

3-3 من هنا ضرورة استحضار –من باب التذكير ، إذ الشيء بالشيء يذكر – مفهوم "الحقوق اللغوية" ، التي قد يطالها التهميش أمام مد العولمة .بل يذهب بعضهم (Calvet :le versant linguistique de la mondialisation/1999 )إلى الاعتقاد بأن القرن الواحد والعشرين سيعرف اندثار مئات اللغات .مما يعني أن العديد من المتحدثين سوف يهجرون لغتهم لفائدة لغات أخرى ويتوقفون عن نقل لغتهم الأصلية لأبنائهم." ومعنى هذا أن اللغات المركزية (كالفرنسية والإسبانية والألمانية وغيرها ) هي المهددة من لدن اللغة /المركز مادامت هذه الأخيرة هي المستعملة عالميا ( حتى بداخل هيئات الاتحاد الأوروبي) التي تشكو من التهديد وتعمل على تجنبه"(25). وقد لاحظت من خلال تتبعي للقنوات الفرنسية أن هناك اتجاها كبيرا نحو إدخال –أثناء الكلام سواء في البرامج الترفيهية أم الثقافية أم الفنية – لعبارات وكلمات وجمل بأكملها  من اللغة الإنجليزية ، وكأن المسألة موضة أو نوعا من التباهي بأن المتحدث (ة) يتقن ، أو له إلمام بهذه اللغة . وهو الأمر الذي نعاني منه اليوم بحكم تأثير الاستعمار في البنية اللغوية، والثقافية كدولة خضعت للاستعمار الفرنسي المباشر .في حين أن فرنسا خضعت لأمركة العالم لغويا ومعلوماتيا  ، ليس من خلال تأثير مباشر للاستعمار ،ولكن من خلال التأثير التكنولوجي والمعلوماتي الذي تتحكم في دواليبه الولايات المتحدة الأمريكية.

3-4 هل نحن نساهم وندعم العولمة ونزكي انتشارها ، (خصوصا الجانب السيء منها الذي يحارب التنوع الثقافي والحق في أن تكون للشعوب والأمم ثقافتها الخاصة بها ، المعبرة عن خصوصيتها وهويتها )من حيث لا نحتسب ؟ إن اللغة –أية لغة – عندما تفرض هيمنتها  على العالم ، مدعومة بمد اقتصادي وفكري وتكنولوجي ، فهي تفرض الثقافة التي تنتمي إليها هذه اللغة . جميل أن يتعلم الإنسان اللغات ، ويتقنها ، لكن هل بإمكان هذا المتعلم أن يفصل اللغة الأجنبية عن سياقها الثقافي ؟  سياقها التكنولوجي ؟ سياقها المعلوماتي؟ سياقها العولمي ؟ وما حظنا من التوزيع العالمي الجديد للمعرفة؟ "لا ينتابنا أدنى شك في أن التكنولوجيا( كل التكنولوجيا) إنما هي في آن معا معرفة وثقافة وتمثلا للتنمية والتطور في الزمان والمكان المعنيين. بالتالي ، فإن توزيع العمل الذي تفرزه ، تصميما وتطويرا وتصنيعا ، إنما يطاول توزيع المعرفة السائد ،ويعمد إلى تشكيل آخر يكون امتدادا له في الطبيعة والتوجه "(26).

ويحيل مصطلح التوزيع العالمي للعمل "إلى نمط وشكل توزيع الأدوار والتخصصات بين دول العالم يكون بموجبها لكل دولة دور محدد في السوق العالمي ، كل حسب إمكاناتها وقدراتها الإنتاجية ومستوى تطورها التكنولوجي ."(27)

3-5 إن هذا الوسيط الذي من خلاله نتقاسم المعارف والمعلومات ، وعبره نبحر إلى عوالم لم نكن لندركها لولاه؛ مر بمراحل دقيقة تكنولوجيا وصناعيا قبل أن يصلنا بشكله الحالي ، والذي سيظل خاضعا لتطورات العصر وحاجياته، وسيتغير شكله وحجمه ومحتوياته  كلما تزايد تطور العصر وتزايدت معها الرغبة في بلوغ الدقة  والسرعة في توصيل المعلومات. في كتابه "المعلوماتية بعد الإنترنيت " (28) لاحظ بيل جيتس  أن " الفارق الأكثر أساسيا الذي سنلمسه في "معلومات " المستقبل هو أن الأغلب الأعم منها سيكون رقميا .ولقد أصبح هناك بالفعل مكتبات كاملة مطبوعة ، يتم مسحها وتخزينها كبيانات إلكترونية ، على أقراص أو على أقراص مدمجة بذاكرة قراءة فقط،كذلك كثيرا ما يتم تنضيد الصحف والمجلات في شكل إلكتروني ، ثم تطبع على الورق كوسيلة ملائمة للتوزيع ، ويتم تخزين المعلومات الإلكترونية تخزينا دائما – أو للفترة التي يريدها الشخص المعني – في قواعد بيانات أجهزة الكومبيوتر ، تلك البنوك العملاقة للبيانات الصحفية المتاحة دائما من خلال الخدمات مباشرة الاتصال (بالكومبيوتر). كما تحول الصور الفتوغرافية ، والأفلام السنيمائية والتلفزيونية إلى معلومات رقمية . ويتم كل عام استحداث طرائق أفضل لقياس كمية المعلومات واستقطارها في كادريليونات ( رقم مؤلف من واحد إلى يمينه 15 صفرا "في الولايات المتحدة الأمريكية " ، أي ألف ترليون أو مليون مليار ) من حزيمات البيانات البالغة الصغر .وما أن يتم تخزين المعلومات الرقمية فإن بإمكان أي شخص لديه كومبيوتر شخصي ومفتاح دخول أن يسترجع على الفور ، وأن يقارن ويعيد صياغة ، تلك المعلومات ".

3-6 وبقدر التفاؤل الحاصل بخصوص ما تقدمه ، التكنولوجيا من آليات جديدة نتفاجأ بها يوميا ، وتجعلنا في صلب التحولات والتغييرات عبر العالم ؛قريبين جدا من المعلومات التي أصبحت في متناول الباحثين في مختلف المجالات وبسرعة فائقة ، بقدر التشاؤم الذي يستشعره المشتغلون بهذا المجال ، وبالإشكاليات المطروحة ، حيث يطرح بيل جيتس مخاوفه وقلقه " وربما تمثل وجه القلق الشخصي الأوسع نطاقا في السؤال :" كيف يكون لي موقع مناسب في الاقتصاد المتحول؟" فالرجال والنساء يقلقهم أن تصبح وظائفهم شيئا انتهى زمانه ، أو ألا يكون بإمكانهم التأقلم مع الطرائق الجديدة في أداء الأعمال، أو أن أطفالهم سوف يتأهلون للعمل في صناعات ستختفي من الوجود بعد ذلك ، أو أن الطفرة الاقتصادية سوف تخلق بطالة بالجملة وبالخصوص في صفوف العمال الأكبر سنا .إن تلك المخاوف مشروعة ومبررة في واقع الأمر .فسوف تختفي مهن وصناعات بكاملها ، على أن مهنا وصناعات جديدة سوف تزدهر .وسيحدث ذلك خلال العقدين أو العقود الثلاثة القادمة ، وهو معدل سريع للتغير بالمقاييس التاريخية ."(29)

4- الإنترنيت والمعلوماتية و....التعليم

  إذا كان التعليم يؤكد على مهارات حل المشاكل ،فإن دورا من هذا القبيل  ،سيزداد أهمية مع مرور السنين والأعوام والعقود .وينبه بيل غيتس إلى أنه"  في عالم مطرد التغيير ، يعد التعليم الاستعداد الأمثل لأن يكون المرء قادرا على التأقلم . ومع تحول الاقتصاد ، سوف يصبح الأشخاص والمجتمعات الأنسب تعليما هم الأفضل أداء .ولأن الأهمية التي يسبغها المجتمع على المهارات ستأخذ في التزايد ، فإن نصيحتي هي الحصول على تعليم رسمي جيد ، ثم مواصلة التعلم بعد ذلك ، ولتحاول اكتساب اهتمامات ومهارات جديدة طوال حياتك "(30) .

   إن محاولة اكتساب اهتمامات ومهارات جديدة ، معناه الحصول باستمرار على مؤهلات تمكن الفرد من البقاء شديد الارتباط بهذا التطور الهائل الذي يعرفه العالم ، على مستوى التقدم التكنولوجي ، الذي أصبح فاعلا في جميع المجالات والمؤسسات .وذلك كي لا يجد الفرد نفسه على هامش الحياة العملية بكل أشكالها " إن عددا كبيرا من الناس سوف يفقدون مجالات عملهم التي ألفوها وتمكنوا منها ، غير أن ذلك لا يعني أن ما يعرفونه لن يكون منطويا على   القيمة ، وإنما سوف يعني أن على الأفراد والشركات أن يكونوا مهيئين لإعادة إبداع أنفسهم ، وربما أكثر من مرة . وبإمكان الشركات والحكومات أن تساعد في تدريب وإعادة تدريب العاملين ، لكن على الفرد أن يتحمل في النهاية مسؤولية أساسية   فيما يتعلق بتعليمه . وستتمثل إحدى الخطوات الأولى في هذا الاتجاه في اكتساب معرفة جيدة بالكومبيوتر .وعادة ما توتر الكومبيوترات أعصاب أي شخص إلى أن يفهمها جيدا ، والأطفال هم الاستثناء الرئيسي هنا . في البداية يتخوف المستخدمون المبتدئون من أن تؤدي خطوة خاطئة منهم إلى تخريب الكومبيوتر، أو إلى فقدان كل ماخزن فيه.وبطبيعة الحال فإن هؤلاء يفقدون البيانات، لكن الأضرار نادرا ماتكون غير قابلة للرد .وقد بدلنا جهودا من أجل جعل فقد البيانات أكثر صعوبة، وجعل معالجة الأخطاء أكثر سهولة .فأغلب البرامج بها أوامر "إلغاء آخر خطوة" تجعل من السهل على المستخدم أن يجرب شيئا ، ثم ينقضه بسرعة .ويصبح المستخدمون أكثر ثقة كلما رأوا أن ارتكاب أخطاء لن يكون كارثيا ،وعندئذ يبدأون بالتجريب .وأجهزة الكومبيوتر الشخصي تقدم كل ألوان الفرص للتجريب"(31)

   إن مراكمة المعارف والتجارب في تعلم أبجديات الحاسوب ، تمكن الفرد من الاطلاع على حاجياته ، وتجديد أدواته المعرفية بالتكنولوجيا " وكلما ازدادت خبرة الناس في التعامل مع الكومبيوترات الشخصية ، تعمق فهمهم لما يمكن أن يفعلوه وما لا يستطيعون عمله .وعندئذ  تصبح الكومبيوترات الشخصية ، أدوات لا أشياء منطوية على مخاطر .فالكومبيوتر شأنه في ذلك شأن الجرار الزراعي أو ماكينة الخياطة ، ليس سوى آلة يمكننا استخدامها لمساعدتنا لأداء مهام معينة بكفاءة أكبر " (32)

فماذا أعد تعليمنا /جامعاتنا /حكوماتنا المتعاقبة / من خدمات تمكن الطالب من الانخراط  في تنمية الجامعة ثقافيا وفكريا ،وتحقيق إشعاعها عبر محيطها؟

 

 

 

 

 

هوامش

1/ يحيى اليحياوي : كونية الاتصال ،عولمة الثقافة ،شبكات الارتباط والممانعة – منشورات عكاظ -2011/انظر التفاصيل في الفصل الأول .

2/ المرجع نفسه ص21 و22

3/ Robert Escarpit : l’information et la communication théorie générale  /ed Hachette-1991.p65…

4/ عبد الكريم غريب : المنهل التربوي : معجم موسوعي في المصطلحات والمفاهيم البيداغجية والديداكتيكية والسيكولوجية – الجزء الأول – منشورات عالم التربية -2006-صص 239-240-241

5/ يحيى اليحياوي : كونية الاتصال ص112

6/ المرجع نفسه ص113

7/ المرجع نفسه ص113

8/ المرج نفسه ص115

9/ المرجع نفسه ص116-117

10/ المرجع نفسه ص 117

11/ المرجع نفسه ص118

12/ المرجع نفسه ص120

13/ المرجع نفسه ص125

14/ المرجع نفسه ص 126

15/ المرجع نفسه ص129

16/ سعيد يقطين : من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي / -المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء -ط1- 2005ص25

17/  M.elmandjra : valeur des valeurs –najah el jadid –casablanca-1ere ed-2006-p15

18/ سعيد يقطين : من النص إلى النص المترابط –ص29

19/ يحيى اليحياوي :كونية الاتصال-ص130

2/ كونية الاتصال - ص131

21/ من النص إلى النص المترابط –ص26

22/ كونية الاتصال –ص133

24/ العولمة وحوار الحضارات والثقافات –مجموعة من المؤلفين – مجلة عالم التربية-ع 17 –ص71

25/ كونية الاتصال –ص135

26/ يحيى اليحياوي : العرب وشبكات المعرفة ،دراسة في الموقع والواقع-دار الطليعة للطباعة والنشر - بيروت –ط1- 2007 ص42

27/ المرجع نفسه ص42

28/ بيل جيتس : المعلوماتية بعد الإنترنيت –عالم المعرفة –ع231 –مارس 1998 –ص36

29/ المعلوماتية بعد الإنترنيت –ص343

30/ نبيل علي : العرب في عصر المعلومات –عالم المعرفة –ع184- 1994- ص269-270

31/  نبيل علي :العرب في عصر المعلومات ص347

32/ نبيل علي :العرب في عصر المعلومات   ص347-348

كتبت بواسطة : فاطمة كدو    30/06/2025
التعليقات

لا يوجد تعليقات

 
اضف تعليقك
الإسم الكامل
العنوان
المحتوى
 
شات
شات
صقيع
صقيع
ظلال الواحد
ظلال الواحد
مساحة إعلانية